عن الراوي في قصة موسى عليه السلام بين القرآن الكريم والتوراة
نشرت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش مشكورة هذا المقال في كتاب «أيوب دليل الأنبياء الأخر» ربيع 2013 بمناسبة تكريم رائد الدراسات السامية الدكتور العلامة أحمد شحلان
وأما القضية الثانية
فإنها تنبني على فكرة أن ما يرويه الراوي من قصص يعد علامة عليه، إذ أن فحص الخطاب
القصصي من حيث بناؤه وتركيب عناصره، يمكن من معرفة قدرة الراوي على
التأثير في المتلقي بواسطة طرق تصرفه الفني في نقل القصة بالزيادة والحذف والتقديم
والتأخير والاختصار والتفصيل والوصف والإشارة؛ كما يمكّن مفهوم البناء العام من
تلمس معالم التناقض والثغرات التي قد يقع فيها الراوي نتيجة خلل في مصادره
السردية، الأمر الذي يكون التواصل بسببه غير متماسك. وهكذا، يبدو أن التفاوت الفني
في الإبداع القصصي يعود إلى اللغة باعتبارها راويا[3]
بصفة عامة.
الراوي في قصة موسىu بين القرآن الكريم والتوراة
من حدث الولادة إلى حدث القتل
تمهيد
من هو الراوي؟ يمنعنا البحث
التطبيقي في هذا المقال من الإجابة عن هذا السؤال من الناحية النظرية على الرغم من
وفرة الدراسات والأبحاث المتعلقة بموضوع الراوي في السرديات[1]،
غير أن الضرورة المنهجية تقتضي منا أن نحاول رسم معالم الراوي مما اطلعنا عليه من
إنجازات علمية حتى يستطيع القارئ أن يتابع مراحل المقارنة بين القرآن الكريم
والتوراة في مستوى قصة موسىu.
الظاهر أن الراوي هو العنصر
اللغوي الذي يتكفل بنقل مجموعة من الأحداث الواقعية أو المتخيلة إلى متلق يُفترض
فيه أنه يجهلها. ولتوضيح ذلك، لا مانع من أن نحصر موضوع الراوي في قضيتين أساسيتين
هما: قضية التواصل، وقضية بناء القصة.
أما القضية الأولى فتقوم
على فكرة أن الراوي يسعى إلى أن يمنح متلقيا جملة من الأحداث المنتظمة في قصة تكون
قد توحدت عناصرها[2]
في خطاب هو الخطاب القصصي. ولذلك لا يمكن للراوي أن يقوم بوظيفته إلا إذا كان
متمكنا من تقنيات التواصل وشروطه، وعلى رأسها اللغة. ومعنى هذا أن الراوي لا يملك
من قناة تواصلية مناسبة ينقل عبرها ما كان واقعيا من أحداث أو متخيلا من وقائع إلى
المتلقي إلا اللغة. ومن المسلم به أثناء عملية النقل أن يتصرف
الراوي في القصة دون أن يتدخل في مجرى وقائعها تصرفا هو في الأصل نتيجة سلطة اللغة
على الواقع الطبيعي والاجتماعي؛ ذلك أن اللغة بنفوذها وسلطتها تقوم بتشكيل العالم
الطبيعي والاجتماعي، وتعمل على إخراجه إخراجا جديدا، حتى يكتسب المحيط بكائناته معنى
وانسجاما وفق نشاط خصوصيات كل ثقافة معينة. وهكذا، فالراوي باعتباره عنصرا
لغويا هو الحركة الباطنية المتدفقة التي ينتجها نسق اللغة. ومن ثم فالراوي
كائن حيوي، عاقلا كان أم غير عاقل، يكون التواصل قد صادق على وجوده ليمنحه سلطة
الحكي في مختلف الأنساق الدالة.
الخطاب القصصي المقدس
تضمن القرآن
الكريم قصة موسىu مثلما تضمنتها التوراة.
والكتابان معا يمثلان رسالة إلهية؛ تكلف الرسولr بتبليغ الخطاب القرآني إلى عامة الناس[4]
كما تكلف موسىu بتبليغ أحكام التوراة إلى بني
إسرائيل. ولما كان القرآن الكريم آخر الكتب السماوية المنزلة في تاريخ البشرية فقد
جاء فيه ما يشير إلى التوراة[5]
من جوانب مختلفة، منها: أن العقيدة الإسلامية تشمل أيضا الإيمان بكتب الله المقدسة[6]،
مادامت أسس تعاليمها متجانسة ومبادئ أحكامها منسجمة وبواعث أهدافها من الوجود
واحدة، «لأنها جميعا كلام رب العالمين ووحيه إلى رسله وأنبيائه»[7]
وهذه حال تؤكد أن الله سبحانه وتعالى هو الوحيد الأحد الذي أرسل أنبياءه المختارين[8]
ليبلّغوا رسالة كتبه المقدسة إلى كافة الناس.
وإذا استحضرنا مدلول الآية
الكريمة:) قُلْ لَوْ
كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ
تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا((الكهف:109)، فإننا نفترض أن الاختلاف
اللفظي على مستوى الخطاب واضح في التوراة والإنجيل والقرآن على الرغم من أحادية
المحتوى ووحدته، إذ أن ما في صالح البشرية هو ما رسخته الكتب السماوية على مرّ
التاريخ.
قصة موسى باعتبارها مدلولا في
الخطاب القصصي
جاءت أحداث قصة موسى متشابهة
إلى درجة كبيرة في القرآن والتوراة، ولعل تصورها وهي منعزلة عن الخطاب[9]
يثبت أنها أحداث وقعت في أزمنة وأمكنة معينة، إذ القصة من حيث الزمن ابتدأت بمولد
موسى وانتهت بمماته بعد أن كلمه الله وبلغ رسالته، والقصة من حيث المكان وقعت في
أمكنة مختلفة هي أسنا مسقط رأسه، ومدين
وهي أول مدينة هاجر إليها موسى، والطور وهو جبل قرب الوادي المقدّس، وفيه تلقّى
موسى أوامر الله سبحانه وتعالى بحمل الرسالة إلى الفرعون، وبرية سيناء، وبرية
فاران وغيرها.
ولفحص تشابه الحدث بين القرآن
والتوراة نعرض:
1.
برنامج سرد
حدث الولادة[10]
)وَأَوْحَيْنَا إِلَى
أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي
الْيَمِّ( القصص: 7
|
وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُخَبِّئَهُ
بَعْدُ، أَخَذَتْ لَهُ سَفَطًا مِنَ الْبَرْدِيِّ وَطَلَتْهُ بِالْحُمَرِ
وَالزِّفْتِ، وَوَضَعَتِ الْوَلَدَ فِيهِ، وَوَضَعَتْهُ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ
عَلَى حَافَةِ النَّهْرِ. (الخروج:
2/3.)
|
)فَالْتَقَطَهُ آَلُ
فِرْعَوْنَ( القصص: 8
|
|
)وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ
قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ( القصص:11 )فَقَالَتْ هَلْ
أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ( القصص:12
|
فَقَالَتْ
أُخْتُهُ لابْنَةِ فِرْعَوْنَ: «هَلْ أَذْهَبُ وَأَدْعُو لَكِ امْرَأَةً
مُرْضِعَةً مِنَ الْعِبْرَانِيَّاتِ لِتُرْضِعَ لَكِ الْوَلَدَ؟» (الخروج:
2/7)
|
)وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ
الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ( القصص:12
)فَرَدَدْنَاهُ إِلَى
أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ( القصص:13
|
فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: «اذْهَبِي بِهذَا الْوَلَدِ
وَأَرْضِعِيهِ لِي وَأَنَا أُعْطِي أُجْرَتَكِ». فَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ
الْوَلَدَ وَأَرْضَعَتْهُ. (الخروج: 2/ 9)
|
برنامج سرد حدث القتل
لقد حرصنا على عرض أحداث قصة
موسى بمعزل عن المؤثرات اللغوية التي نفترض أن الراوي يبثها في خطابه أثناء حكيه
لأهداف خاصة به. وقد تبين من خلال هذا العرض أن أحداث قصة موسى قبل تلقّيه الوحي هي أحداث
واحدة، ومصدرها واحد بل إن بناء عناصرها من حيث الترتيب والحذف منسجمة غاية
الانسجام.
فمن حيث الترتيب الزمني للأحداث
بدأ السرد بذكر أحداث الطفولة وما يتعلق بها من أحداث فرعية نحو إلقاء موسى في
اليم، فانتشاله منه ثم إرضاعه بإرجاعه إلى أمه. ثم انتقل السرد، بعد ذلك، إلى عرض
حدث القتل الذي قام به موسى وهو في عنفوان شبابه. وبسرد هذه الأحداث يكون الخطاب
القصصي في القرآن والتوراة قد حافظ على هذا الترتيب نفسه من الناحية الزمنية[11]؛
إذ من الطبيعي أن تبتدئ حياة المرء من الولادة فالطفولة، ثم الشباب فالكهولة
لتنتهي بالشيخوخة فالموت.
أما من حيث الحذف فقد قفز
الخطاب القصصي في القرآن والتوراة، من عرض أحداث الطفولة، إلى سرد حدث القتل بعد
أن بلغ موسى أشده، وهي مرحلة متأخرة بأزمنة طويلة عن مرحلة الطفولة. ومعنى هذا أن
مراحل هامة من حياة موسى عليه السلام حذفها الخطاب القصصي في القرآن والتوراة
لأنها لا تفيد، فيما يظهر، في ترسيخ المبادئ الثابتة من خطاب الكتب السماوية.
تشكل إذن، قصة موسى، بوصفها مدلولا،
في القرآن والتوراة مسوغا موضوعيا يجعل من المقارنة العلمية على مستوى الخطاب
القصصي إجراء مشروعا في البحث، لأن الاختلاف بين الكتابين المقدسين ليس في القصة
بل في الخطاب القصصي، لأنه يتحقق بزمرة من القرائن اللغوية التي تقتضي استحضار
السياق العام للأحداث، وظهور الراوي واختفاءه، والمفهوم من أقواله دون المنطوق،
وتدخله في توجيه الأحداث وحياده؛ وبذلك يصبح بناء الخطاب القصصي مظهرا من مظاهر
تحديد صورة الراوي من جميع جوانبها.
قصة موسى باعتبارها خطابا قصصيا
الراوي في القرآن الكريم
1.
حياد الراوي ومبدأ التصريح بالحكي
إن القرآن الكريم رسالة خاطب فيها الله سبحانه وتعالى رسوله الكريمr، وأمره بأن يبلغها إلى جميع أفراد البشرية. وقد مكّن الله سبحانه
عز وجل رسوله بمعجزات متعددة، وزوده بثروة معرفية متنوعة عن طريق الوحي لتكون أداة
قوية لإقناع عامة الناس بالإيمان، وللتأثير فيهم تأثيرا يؤدي بهم إلى اعتناق الدين
الإسلامي. ومن هنا كانت القصة في القرآن الكريم مصدرا من مصادر المعرفة التامة
والمعرفة الحقيقية[12].
ومن هنا، ففي الإطلاع على قصص
القرآن ما يُظهر قدرة الله سبحانه وتعالى في خلقه ومخلوقاته، وما يجعل منها
أيضا وثيقة تحفظ معجزات الله في العالم وتسجلها منذ أن خلق آدم عليه السلام. ولذلك
فهِم الرسولr تجارب من
سبقه من الرسل والأنبياء، متفكرا، في الوقت نفسه، في تدبير الله سبحانه وتعالى في
خلقه، ومستوعبا الهدف النبيل من تبليغ رسالته.
بهذا التحليل تصبح الحقائق
والوقائع والمعلومات الواردة في القرآن دقيقة جدا لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي
قدرها وقضى بحدوثها، فكان علمه بها مطلقا بدليل الآيات الآتية:
·
)ذَلِكَ مِنْ
أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ
أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ
يَخْتَصِمُونَ(
آل عمران: 44
·
)وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ
إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ( القصص: 44
·
)وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ
مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ( القصص: 45
· )وَمَا كُنْتَ
بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ
قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ( القصص: 46
على هذا الأساس يكون راوي قصة
موسى وغيرها من قصص الأنبياء والرسل في القرآن الكريم هو الله سبحانه وتعالى. وقد
ظهرت وظيفة الحكي في بداية سورة القصص باعتبارها سورة تحتوي على أهم مراحل حياة
موسى. )تِلْكَ
آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ
بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( (القصص: 2، 3). ففي الآيتين
ما يؤكد انتماءهما إلى الخطاب القصصي فقط، لأن فيهما تصريحا مباشرا بالشروع في
الحكي، ودعوةً غير مباشرة إلى الاستعداد لتلقي ما سيرويه الله سبحانه عزّ وجلّ.
ومن ثم نجد في هذا التصريح قرينتين توجهان انتباه المتلقي كان الرسولr أم سامع القرآن إلى أن الهدف من سماع قصة موسى مبني على:
أ.
أن الحكي مركز على عرض بعض الأحداث التي
جمعت موسى u بفرعون )...مِنْ
نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ( ، ومعنى هذا أن الأحداث التي لا
ترتبط بفرعون ولا تتجه نحوه غير وظيفية في الحكي. وقد يكون تعالق أحداث موسى
بفرعون من بين ما يفسر تجاوز السرد مراحل هامة من حياة موسى.
ب.
أن أحداث قصة
موسى وفرعون تتصف بـ"الصدق المطلق") ... مِنْ نَبَإِ مُوسَى
وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ(. والمراد بذلك أن الله سبحانه وتعالى يصف أحداث موسى وفرعون بدقة
متناهية كما جرت في الواقع، يطبعها "التصوير الحي"، والأمانة في
النقل[13].
وبهذه القرينة تتميز القصة في الخطاب القرآني من الخطابات السردية
الأخرى التي توظف تقنية التخييل[14]،
وهي تقنية بعيدة كل البعد عن مدلول "الحق" كما وردت في القرآن
الكريم.
بعد فعل التصريح بالحكي عرض
الخطاب القصصي الحال الأولى التي تشكل بداية القصة، وهي بداية وصف فيها الراوي حال
فرعون وسلوكه وممارسته )إِنَّ
فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ
طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ( (القصص: 4). وفي هذا الوصف
من الدقة والموضوعية ما يظهر حياد الراوي حيادا تاما إذا ما استثنينا تقنية الاقتصاد
اللغوي، بوصفه علامة من علامات تدخل الراوي في صياغة الأحداث؛ ولإدراك مدلول هذه
العلامة نستحضر أمرين:
أ.
إن نقل
الوقائع والأحداث من مستوى الممارسة الفعلية[15] إلى خطاب مادته اللغة أو غيرها يقتضي بالضرورة الاقتصاد
في الخطاب[16].
ب.
إن حكي قصص
القرآن جاء في سياق نزول الوحي. وهو سياق يستوجب على المتلقي ألا يتوقع من استهلاك
السرد القرآني تحقيق المتعة النفسية والتغذية الخيالية والاستراحة العقلية. ولذلك،
كان في تقنية الاختصار دعوة إلى ضرورة قبول أمّ الوقائع والأحداث باعتبار
وظيفتها التوجيهية للرسولr وسامع القرآن، وهي وظيفة تناسب المبادئ العامة للقرآن الكريم
باعتباره رسالة سماوية.
إذا كان وصف حال فرعون وعمله،
في الآية السابقة، قد اتسم بالدقة والاختصار فإنه انتهى بتدخل الراوي حينما علّق
على هذه الحال واصفا سلوكه بالفساد وفعلَه بالظلم[17]
)... إِنَّهُ كَانَ مِنَ
الْمُفْسِدِينَ( (القصص: 4.)، وقد جاء
هذا التعليق مسوغا ليعلن الراوي عزمه على التدخل في سير أحداث القصة بتغيير حال
فرعون مما هي عليه إلى حال أخرى، يستفيد منها المستضعفون والمظلومون من الناس، )وَنُرِيدُ
أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا
فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ
لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا
كَانُوا يَحْذَرُونَ( (القصص:5،6.)
2. تدخل الراوي/العناية الإلهية[18] بالقدرة
"المطلقة" على الفعل
ابتدأ تغيير الحال الأولى بجملة من الأحداث التي
تم حصرها في: حدثِ إلقاء موسى في اليم نتيجة استجابة لأثر الوحي، وحدثِ الإرضاع
بعد الالتقاط. وهكذا نتصور أن الأحداث الأم وما ترتب عنها على أنها برمجة الراوي
باعتباره مؤثرا مباشرا في مجريات القصة، وفاعلا ضروريا، بعنايته المقدسة،
في خلق أحداثها، وهو تصور ينسجم كل الانسجام مع قدرة الله المطلقة على توجيه قصة
موسى مع فرعون. ولعل مسوغ تدخل العناية الإلهية في تقدير حياة موسى يعود
إلى عاملين:
أ.
من الطبيعي
أن يكون موسى ضعيفا فاقدا لكل قدرة على الفعل، لأنه طفل رضيع لا حول له ولا قوة
إلا ما تمده به الأمومة من رعاية واهتمام.
ب.
حسب الظروف
الاجتماعية كان موسى الرضيع معرضا للقتل شأنه شأن بقية الأطفال في أي لحظة بأمر من
فرعون.
لهذا كانت العناية الإلهية
هي العامل المساعد الذي تكفل بكل ما يمكّن موسى من البقاء على قيد الحياة. وقد
اتجهت هذه العناية إلى أن تقوم على مفارقة عجيبة تمثلت في:
أ.
حماية فرعون
لموسى، فكان ذلك حدث النجاة من القتل)وَقَالَتِ
امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ
يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا( (القصص: 9)
ب.
اطمئنان أمه عليه والاهتمام به في ظل هذه
الحماية)وَحَرَّمْنَا
عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ
بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ! فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ
عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ( (القصص : 12، 13)
لم ينتبه فرعون إلى هذه المفارقة معتقدا أن تربيته لطفل صغير لن يضره، لأن
الأطفال، حسب التجربة الإنسانية، يكبرون على مذهب آبائهم وأوليائهم. من جهة أخرى
لم يعِ موسى بعدُ ما حوله لصغر سنه على الرغم من وظيفته الرئيسية في الأحداث. ولهذا كان مدلول
العناية الإلهية، باعتباره عنصرا من عناصر الخطاب القصصي وليس من عناصر القصة،
موجَهاً بالقصد إلى متلقي القرآن الكريم وليس إلى فرعون وحاشيته.
ولذلك، كلّ منْ يطلع على قصة موسى في القرآن الكريم يجدُها قد سجلت،
تاريخيا، معجزة ربانية تظهر نعمة الله على بني إسرائيل بدليل هذه الآية الكريمة:[19] )يَا بَنِي
إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ( (البقرة:
40). وهكذا، فما دامت العناية
الإلهية قد اهتمت بموسى بشكل معجز فإنها غير محدودة في الزمن؛ لأنها تشتغل
بشكل خفي من جهة، ولأن الاعتقاد مبني على أنها قضاء مبرمج وقدر مسطّر من جهة أخرى.
فعلى متلقي القرآن إذن، أن يدرك أنه محاط بعناية إلهية خاصة، قد تقل أو تزيد عن عناية
الله سبحانه بموسى حسب درجة تناقض الأحداث ومفارقتها.
3. العناية الإلهية ومراقبة فعل موسى
لقد اختفى تدخل الراوي بعنايته الإلهية في حدث القتل. وهو الحدث الثاني
الذي عرضه السرد مباشرة بعد حدث الطفولة. وتعود علة هذا الاختفاء، فيما يبدو، إلى
امتلاك موسى قدرة بدنية وعقلية جعلت منه صاحب الحدث وفاعله. وهذا أمر واضح بدليل
الآية الكريمة: )وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ
يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ
الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى
عَلَيْهِ( (القصص: 15). فموسى إذن، هو المسؤول عن قتل
عدوه حتى ولو كان من غير عمد. ومن ثمّ ظل الراوي، من خلال الآيات السابقة، محايدا
في حكيه مكتفيا بالوصف الدقيق لأفعال موسى المبنية على مبدإ المسؤولية الذاتية،
طالما أن الممارسة الفعلية لتتابع الأحداث وتسلسلها انطلقت منه. وإذا كانت علامة
الراوي هذه[20]
تثبت مسؤولية موسى عن فعل القتل، فإنها تُفهم المتلقيَ بأمرين:
الأول، وهو أن مرحلة الطفولة مرت وانتهت، وقد تم حكيها باختصار شديد بعد إنجاز
محكم، وتدخل مطلق لكل أحداثها من لدن الراوي.
الثاني، وهو أن حكي حدث القتل وما ارتبط به من وقائع تؤكد حياد الراوي بعنايته
بدليل أن الله سبحانه وتعالى حرّم الظلم على نفسه[21].
ولهذا كان حدث القتل من فعل موسى على الرغم من افتراض أن الراوي باعتبار عنايته
الإلهية كان قد برمج من قبلُ تناسل الأحداث وتسلسلها بالشكل المعروض في الخطاب
القصصي.
لكن ما يثير الانتباه هو أن الخطاب القصصي قد أحاط حدث القتل بزمرة
من العبارات اللغوية[22]
التي تقتضي التساؤل الآتي: هل كان موسى يعرف الله سبحانه وتعالى قبل حدث
التكليم؟ لأن مَن يقرأ الآيات القرآنية الآتية، باعتبار دلالتها المتعلقة بحركة
السرد داخل الخطاب القصصي، يظن ذلك:
) قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ((القصص: 15)
)قَالَ رَبِّ
إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ((القصص: 16)
)قَالَ رَبِّ
بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ((القصص: 17)
لمحاولة إدراك مدلول هذه الآيات باعتبارها علامات على الراوي،
ندعو إلى أن نتصورها مرتبة في محور استبدالي، ويتجه تصورنا هذا إلى أن نفهم
تعددها على أنه مرتبط بفعل واحد هو القتل. ولهذا فقد ركّز الخطاب القصصي على عرض
هذا الحدث بمعان متعددة توسعت حدودها بهذا الكم من العبارات اللغوية، استجابة
لأغراض وظيفية اقتضاها زمن الحكي، ومن ثم لا بأس من محاولة الكشف عنها.
تأتي مشروعية التساؤل من كونه يثير
حدث تلقي الوحي باعتباره يحدد اللحظة التي يعرف فيها موسى الله سبحانه وتعالى. وهو
حدث، من ناحية الترتيب، قد جاء متأخرا إذا ما استحضرنا انتظام الأحداث على مستوى
القصة. ومن ناحية أخرى، إن حدث التكليم هو الحدث الذي يتلقى فيه موسى رسالة ربّه
بما فيها من أوامر الله سبحانه ونواهيه وتعاليمه وقوانينه.
ولفهم ذلك، يستحسن الاستعانة
بعنصر غير سردي قد نصفه بضرب من الإحساس الباطني الخاص الذي انتاب عددا من
الأنبياء والرسل من بينهم إبراهيم u على سبيل
التمثيل لا الحصر. فإذا ما استحضرنا بعض الآيات التي تصف حال إبراهيم u من نحو:)فَلَمَّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ
قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ! فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ
قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ! فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ
فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ((الأنعام: 76، 77، 78)، ندرك أن
حوارا باطنيا "خاما" بين إبراهيم ونفسه كان جاريا بشكل حاد،
مفاده عدم الاطمئنان إلى ما يحيط به من الناحية العقدية. وقياسا على ذلك نقول: لعلها
الحال نفسها التي عانى من موسىu بعد فعل
القتل. ولذلك اختار الله سبحانه وتعالى التعبير عن هذه المعاناة، حسب الآيات
السابقة، باللغة العربية وليس بلغة إبراهيم وموسى، واختار سبحانه عزّ وجل وصف
معاناتهما بصيغة لفظية تتجه من حيث وظيفتها الخطابية إلى الرسول r لتذكره، هو نفسه، بمعاناته التي
تجلت في خلوه المطرد في غار حراء قبل نزول
الوحي.
وهكذا ندرك أقوال موسى على أنها
حوار باطني "خام"، لم يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، الأمر الذي
يدعونا إلى الأخذ بفكرة أن موسى لم يكن يعرف ربه[23]،
بدليل تسلسل أحداث القصة. ولهذا نميل إلى القول إن ألفاظ معاناة موسى وشكواه هي
ألفاظ الراوي لأنه عالم بخبايا النفس الإنسانية، واختيار الله سبحانه وتعالى لهذه
الألفاظ هو اختيار يبرهن على عمق التجربة الإنسانية التي فطر عليها موسى وغيره من
الأنبياء والرسل.
لم نُقْصِ نتيجة هذا التحليل
مفهوم المشهد باعتباره تقنية سردية خطابية، ولكننا وجدنا أن ما تثبته
الآيات القرآنية السابقة هو حوار باطني وصفناه بالحوار الخام على أساس أن
الألفاظ النهائية لهذا الحوار الباطني يصعب الجزم فيها بأنها أقوال موسى كما جرت
بالفعل؛ ولهذا رجحنا مبدأ التلفظ بالآيات السابقة من إنجاز الراوي لقدرته المطلقة
ولعلمه التام بما دار في نفس موسى. وهذه حال تختلف عن المشهد، لأن المشهد[24]
في الخطاب القصصي يقتضي إظهار الشخصيات وهي تتحاور فيما بينها. وبحوارها
هذا يختفي الراوي تاركا آليات الخطاب السردي للشخصيات.
الراوي في التوراة
أثبتت الأبحاث العلمية التي
اهتمت بالتوراة أن موسى لم يكتب التوراة، بل كُتبت بعد وفاته بحوالي أربعة قرون[25]،
ثم إن ما كتب منها هو« بعض الأناشيد، والوصايا العشر، ونبوءات يعقوب وموسى،»[26].
وهذا بالقياس إلى حجم التوراة الحالية قليل جدا[27].
وعلى هذا الأساس، فما ينتج عن فكرة توثيق التوراة في الدراسات العلمية هو
التباعد الزمني بين زمن معايشة الأحداث وبين زمن كتابتها وتدوينها، الأمر الذي
يفهم منه أن عددا من الأحداث تعرضت إلى التحوير والتغيير، فسقطت منها أحداث بحكم
محدودية الذاكرة الإنسانية، وانضاف إليها غيرُها من الوقائع بفعل ما تميل إليه
النفس البشرية من ميول وأغراض[28].
وللاستدلال على ذلك نعرض النص الآتي: «ولعل أشهر المدارس البحثية في التوراة، وهي
مدرسة "فلهاوزن wilhawsen"، التي أكدت أن تصانيف
التوراة قد بدأ جمعها بعد عهد موسى بقرون، وأن الجُمّاع والمصنفين كانوا مختلفين
مزاجا ومشربا، ودللت على ذلك بأدلة هامة، لعل أخطرها ولا يقبل جدلا، أن اسم الإله
وطبيعته وعلاقته باليهود، يختلف ما بين سفر وآخر، إضافة إلى تكرار القصص في
الأسفار، مما يشير إلى أن المصنفين لم يلتقوا معا، ليصنفوا ما بينهم من خلافات
حادة في التفاصيل»[29]؛
ولهذا أثّر هذا العامل وما ارتبط به في تشكيل صورة راوي قصة موسى في التوراة.
وأما ما يتعلق ببناء الخطاب القصصي فإن مبدأ التواصل القائم على حكي قصص
الأنبياء وغيرها في الكتب المقدسة يطرح استفهاما قد يكون موضوع أبحاث أخرى. ومع
ذلك فإن إثارة هذا الإشكال تمهيد ضروري لبناء صورة الراوي في التوراة.
افترضنا قبل أن الرسولr لم يكن يعرف قصة موسى وفرعون
معرفة يقينية. وافتراضنا هذا مبني، من جهة، على أن الرسولr كان أميا بشهادة القرآن الكريم،
ولهذا لم تكن لديه المعرفة التامة بقصة موسى؛ ومن جهة ثانية لو قبلنا جدلا
بتداول قصة موسى في زمن الرسولr، لما ارتقت معرفته إلى مستوى
المعرفة التامة باعتبارها هدفا محوريا من قصص القرآن الكريم.
وإذا انطلقنا من التصور نفسه في
ما يتعلق بالتوراة فإن حكي قصة إبراهيم ويوسف عليهما السلام إجراء مقبول على مستوى
التواصل بين الله ورسوله موسى، بيد أن الاستنتاج نفسه يصعب قبوله حينما نفهم أن
الله سبحانه وتعالى يروي قصة موسى لموسى؛ لأن التواصل بهذه المواصفات غير مقبول
منطقيا، بدليل أن موسى بعد مرحلة الطفولة في غنى عمن يروي له قصة حياته. ولهذا فمن
العبث، في سياق مقدس، أن يقص الله قصةً فاعلُ أحداثها يعرفُها لأنه عاشها بالفعل.
ولذلك فالتواصل بهذا المعنى يفقد كل قيمة قصدية، بدليل أن متلقيَ قصة موسى غير
محدد من جهة، ولا تسعف القرائن اللغوية في التوراة على استنباط بعض الضوابط التي
توحِّد من تُروى له القصة وهذا يتنافي مع خصوصية الكتاب المقدس. ومهما يكن من قضية
كتابة التوراة وتدوينها فإن قراءة نصوصها كفيلة برسم بعض المعالم المتباينة لراوي
قصة موسى.
بدأ الإصحاح الأول من سفر
الخروج بعرض أسماء عائلات بني إسرائيل الذين حلوا بمصر[30]،
وفي هذا العرض المفصل ما يوحي بميل قوي نحو التوثيق التاريخي. وتظهر ملامح
هذا الميل في سرد قضايا متعددة، منها قضية تاريخية وهي مسألة تعايش بني إسرائيل مع
حكام مصر. ففي اللحظة التي يفهم منها أن بني إسرائيل كانوا تحت سلطة فرعون إلا
أنهم كانوا أعظم[31]
من حكام مصر لأن الأرض امتلأت منهم[32].
وهكذا ظهر الراوي مباشرة في الفقرتين الأوليتين من الإصحاح الأول بتوثيق نمط
من الصراع الاجتماعي والسياسي بين بني إسرائيل والفراعنة، تجلى في ممارسة
الفراعنة نمطا من الاحتيال على بني إسرائيل «لِئَلاَّ يَنْمُوا، فَيَكُونَ
إِذَا حَدَثَتْ حَرْبٌ أَنَّهُمْ يَنْضَمُّونَ إِلَى أَعْدَائِنَا(٭) وَيُحَارِبُونَنَا وَيَصْعَدُونَ مِنَ الأَرْضِ»[33].
واستمرت صورة الراوي المؤرخ
واضحة في سرد الأحداث ولاسيما حينما انتقل إلى التفصيل في وصف عملية القتل التي
أصيب بها بنو إسرائيل في أطفالهم الذكور، لأن في تنفيذ هذا الإجراء توقفا للنسل
وانقطاعا للجنس اليهودي[34].
غير أن التفصيل في هذه العملية والإجراءات التي أنجزت لذلك، جعلت الراوي يأخذ جملة
من المواقع السردية التي تظهر موقفه من الأحداث. وهذا ما ينتج عنه جملة من الأمور
يستحسن توضيحها:
1. إذا كان فرعون قد أمر قابلتي العبرانيات بقل الأطفال الذكور لحظة الولادة قائلا لهما: («حِينَمَا تُوَلِّدَانِ
الْعِبْرَانِيَّاتِ وَتَنْظُرَانِهِنَّ عَلَى الْكَرَاسِيِّ، إِنْ كَانَ ابْنًا
فَاقْتُلاَهُ، وَإِنْ كَانَ بِنْتًا فَتَحْيَا»)[35]، وإذا كان خوف القابلتين من الله منعهما من ذلك: (وَلكِنَّ الْقَابِلَتَيْنِ
خَافَتَا اللهَ وَلَمْ تَفْعَلاَ كَمَا كَلَّمَهُمَا مَلِكُ مِصْرَ، بَلِ
اسْتَحْيَتَا الأَوْلاَدَ)[36] فإن اقتناع فرعون بجوابهما عن عدم القيام بما أمرهما، لأن (النِّسَاءَ الْعِبْرَانِيَّاتِ
لَسْنَ كَالْمِصْرِيَّاتِ، فَإِنَّهُنَّ قَوِيَّاتٌ يَلِدْنَ قَبْلَ أَنْ
تَأْتِيَهُنَّ الْقَابِلَةُ) هو اقتناع ينطوي على معنيين:
I.
ميل الراوي
إلى إظهار سذاجة فرعون، لأن مثل هذه السذاجة لا تليق بأي حاكم.
II.
ميل الراوي
إلى تأسيس صفة القوة والصلابة لنسوة بني إسرائيل وانعدامها في نسوة غيرهن. وهذا
حكم غير مقبول لأن مبدأ الاستثناء في الحياة الاجتماعية قديما وحديثا يثبت عكس
ذلك.
2. ركز الراوي في حكيه لمخطط قتل الأطفال الذكور على تقنية المشهد، وهي
تقنية غالبا ما تقوم على حوار الشخصيات وجدالهم[37]،
الأمر الذي مكّن الراوي من الاختفاء ليترك الأحداث تروي نفسها بنفسها. وعلى هذا
الأساس نفترض، في محاورة فرعون للقابلتين: «وَقَالَ لَهُمَا: «لِمَاذَا
فَعَلْتُمَا هذَا الأَمْرَ وَاسْتَحْيَيْتُمَا الأَوْلاَدَ؟» فَقَالَتِ
الْقَابِلَتَانِ لِفِرْعَوْنَ: «إِنَّ النِّسَاءَ الْعِبْرَانِيَّاتِ لَسْنَ
كَالْمِصْرِيَّاتِ، فَإِنَّهُنَّ قَوِيَّاتٌ يَلِدْنَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهُنَّ
الْقَابِلَةُ»»[38]، نفترض أن
الراوي كان حاضرا في المشهد وسجل باللفظ ما دار بين فرعون والقابلتين، وهذا ما
مكّنه من عرض الحوار بذاته، وليظهر درجة عالية من الموضوعية والحياد في النقل. بيد
أن نص الحوار وسياقه القصصي العام خالٍ من أبسط قرينة يفهم منها حضور الراوي
بالفعل، الأمر الذي يسوغ احتمال ميل الراوي بصياغته للحوار إلى إظهار خاصية يتميز
بها نسوة بني إسرائيل من غيرهن. وهكذا تسهم وظيفة المشهد، بهذا التصور، في البحث
عن موثّق التوراة وكاتبها، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد سجل ما دار بين فرعون
والقابلتين فإن الأمر مقبول من منطلق عقدي وهو أن الله عالم بالغيب. وإذا كان غير
الله هو الذي نقل الحوار وسجله فإن في الأمر بعدا عن الحياد والموضوعية بدليل
التباعد الزمني بين تاريخ الوقائع والأحداث وبين زمن كتابتها وتدوينها.
3. أشار الراوي، في سياق حديثه عن مخطط قتل الأطفال الذكور، إلى أن القابلتين
كانتا تخافان[39]
الله سبحانه وتعالى. ويفهم من هذه الإشارة شيوع ديانة اليهود آنذاك، قد تكون من
آثار ما جاء به يوسف u. والظاهر أن في القرآن الكريم[40] ما يؤكد
ممارسة دينية قائمة على مبدإ الإيمان.
إذا كان الراوي في الإصحاح الأول من سفر الخروج قد غلبت عليه صفة
التوثيق والتأريخ فإن في الإصحاح الثاني ما يبعده
من الوظيفة التاريخية ليمنحه وظيفة السرد القصصي. ولعل المقارنة بين الإصحاحين
تفضي إلى أن سرد العام من الأحداث هو الطاغي في الأول بينما التفصيل في الحدث
الخاص بموسىu هو المهيمن في الثاني.
وهكذا، فقد بدأ الراوي بتسجيل نسب موسىu في سياق سرد حدث ولادته[41].
ولذلك لم يفصل لا في حدث الزواج ولا في حدث الولادة، الأمر الذي يفهم منه أن ما
تعلق بالحدثين هو من المألوف العام بين الناس. ثم انتقل الراوي إلى سرد حدث إلقاء
موسى الرضيع في اليم، ونلاحظ أنّ السرد في هذا الانتقال قد اتبع إيقاعا بطيئا لأنه
اهتم بتفاصيل جزئية غالبها وصفي مثل: (وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ
تُخَبِّئَهُ بَعْدُ، أَخَذَتْ لَهُ سَفَطًا مِنَ الْبَرْدِيِّ وَطَلَتْهُ
بِالْحُمَرِ وَالزِّفْتِ، وَوَضَعَتِ الْوَلَدَ فِيهِ، وَوَضَعَتْهُ بَيْنَ
الْحَلْفَاءِ عَلَى حَافَةِ النَّهْرِ)[42]
يطرح هذا الوصف الخاص بإلقاء
موسى في اليم جملة أسئلة قد تكون الإجابة عنها مرهونة بالإجابة عمن يتحدث
في التوراة:
1. حينما وجد فرعون أن أوامره للقابلتين العبرانيتين بقتل الأطفال الذكور لم
تجد نفعا، وسع من مجال تنفيذ حكمه، و من ثمّ (أَمَرَ فِرْعَوْنُ جَمِيعَ
شَعْبِهِ قَائِلاً: «كُلُّ ابْنٍ يُولَدُ تَطْرَحُونَهُ فِي النَّهْرِ، لكِنَّ
كُلَّ بِنْتٍ تَسْتَحْيُونَهَا»)[43]. وعلى هذا الأساس، يقضي تنفيذ أوامر فرعون رمي الأطفال في النهر مباشرة[44]،
الأمر الذي يجعل من نسبة نجاة البعض منهم ضعيفة جدا إن لم نقل مستحيلة. لكن كيف
اهتدت أم موسى إلى وضع ابنها في سفط محكم الصنع لكي لا يغرق؟ ألم تكن هذه الصناعة
معروفة بين النسوة العبرانيات؟
2. إن وصف الراوي لحال الأم وهي خائفة على ابنها، ثم وصفه لحالها وهي تصنع
السفط يظهر أن بين الحدثين تنافرا، لأن حال الاضطراب والخوف لا تمكّن من إنتاج عمل
متقن ومحكم. ولهذا نتساءل من منطق المعتاد من الأحداث: أكانت الأم قوية وصلبة في
الشدائد إلى درجة أن الخوف لم يؤثر فيها بشكل حاد؟ أم كانت قد صنعت السفط بعد
الولادة تحسبا لإلقائه لاحقا؟
3. لو افترضنا شيوع حِرف بين النساء في المجتمعات القديمة، وافترضنا أيضا أن
أم موسى تعلمت هذه الحرفة إلى جانب صلابتها وجلدها صبرها على الشدائد، هل يُسقط ما
قامت به أم موسى لإنقاذ ابنها فكرة المعجزة؟[45]
ليست تقنية الوصف هي الوحيدة التي تظهر نمط بناء الراوي
لخطابه القصصي، بل حكي الأحداث أيضا؛ إذ يذكر الراوي، في حدث انتشال موسىu من اليم، أن بنت فرعون هي التي نزلت إلى النهر لتغتسل رفقة
جواريها وإمائها. فالتنصيص على أن ابنة فرعون هي التي نزلت وليست زوجته أو أخته أو
إحدى قريباته يدل على أن فرعون كانت له بنت مدللة، ولهذا، فمن المسلم به، أن
تكون محاطة بخادمات يحرسْنها حراسة تليق بمقامها، الأمر الذي يثبت غياب الراوي
في لحظة اكتشاف السفط. وعلى هذا الأساس، تكون مصادر ما رواه من أحداث، في الغالب،
هو شيوع الخبر بين العامة من داخل القصر. ومن ثم، فالظاهر أن رواية الخبر عن طريق
السماع لا تليق بكتاب مقدس. ولو افترضنا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي روى خبر
نزول بنت فرعون إلى النهر، فإنّ التوراة لم تسجل ظهور الله سبحانه وتعالى في قصة
موسىu إلا بعد أن
(تَنَهَّدَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ وَصَرَخُوا، فَصَعِدَ صُرَاخُهُمْ إِلَى
اللهِ مِنْ أَجْلِ الْعُبُودِيَّةِ. فَسَمِعَ اللهُ
أَنِينَهُمْ، فَتَذَكَّرَ اللهُ مِيثَاقَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ. وَنَظَرَ اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَلِمَ
اللهُ.)[46].
إذا
كانت التساؤلات والافتراضات السابقة تميل إلى إظهار اضطراب في بناء الخطاب القصصي
لقصة موسىu، فإن فعل القتل يعمق إشكالية الراوي
في التوراة. ويظهر ذلك بوضوح في حذف مراحل طويلة من حياة موسىu، وهي
التي تبتدئ من نهاية حدث الإرضاع إلى بداية حدث القتل. ولعل صفة المعتاد من
الأحداث المحذوفة هو سبب تخلى السرد عن حكيها؛ إذ لو تمت روايتها لما تميّز الراوي
من غيره.
ومهما
يكن من أسباب استعمال الحذف في قصة موسىu ، فإن حدث القتل أخذ حيزا هاما من السرد في التوراة
على مستوى زمن القصة وعلى مستوى مساحة الخطاب القصصي. والمراد من ذلك أن فعل القتل
قد تطور بفعل تدخل مجموعة من الأحداث الصغرى التي عملت على تكثيفه ونموه. فحدث
خروج موسىu من أجل
التفقد أدى إلى اكتشاف رجلين يتخاصمان، أحدهما مصري والآخر عبراني، ثم إن نصرة
موسى للعبراني أدت به إلى قتل المصري. وفي ذلك تقول التوراة: (وَحَدَثَ فِي
تِلْكَ الأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى
إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ، فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيًّا يَضْرِبُ
رَجُلاً عِبْرَانِيًّا مِنْ إِخْوَتِهِ، فَالْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ
وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ وَطَمَرَهُ فِي الرَّمْلِ.)[47]
ولعل
المثير في حكي هذا الحدث هو أن السرد في التوراة وظف التبئير لإظهار نية موسىu في القتل. وقد
نفذ موسىu قصده
حينما ساعده على ذلك خلو المكان من الشهود إلا العبراني. ومن ثم انتهى حدث القتل
بدفن الجثة. ونظرا
إلى أهمية حدث القتل في توجيه قصة موسىu فإن بعض الأسئلة تقتضي أجوبة محتملة، ولعلها تلك التي
تتعلق بالكيفية
التي عرف بها الراوي نية موسى، باعتبارها قرارا تم اتخاذه بصفة باطنية.
إن
قراءة النص الآتي من التوراة:«(ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِذَا
رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: «لِمَاذَا
تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟» فَقَالَ: «مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا
وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ
الْمِصْرِيَّ؟». فَخَافَ مُوسَى وَقَالَ: «حَقًّا قَدْ عُرِفَ الأَمْرُ». فَسَمِعَ
فِرْعَوْنُ هذَا الأَمْرَ، فَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَ مُوسَى)»[48]
، تُطلعنا على أن مصدر رواية حدث القتل هو "الشاهد". فمادام
الأمر قد عُرف بعد القتل، فإن الشاهد الوحيد الذي طلب نصرة موسى هو من كشف سر
الجريمة وأذاع خبرها. ومن ثم نفترض أن الراوي قد سمع رواية الحدث مباشرة إما من الشاهد
نفسه بدليل حكي الحوار بألفاظه وهذا احتمال قوي، وإما من غير الشاهد
على أساس انتشار الخبر وشيوعه بين العامة والخاصة، وهذا احتمال يستلزم الشك في دقة
الحوار اللفظي الذي جرى بين موسى وأحد المتخاصمين. وعلى أساس هذا الشك، تكون رواية الحدث قد وردت
بالمعنى وليس باللفظ، الأمر الذي يقوي احتمال رواية أجزاء من التوراة بالمعنى،
وهذا معطى لا تناسب صورة الكتاب المقدس.
ومهما
يكن من أمر الاحتمالين وما ينتج عنهما، فإن رواية الخبر قد تمت بحسب ما شاهده
العبراني. وما شاهده هذا خال من قرينة تظهر عزم موسى ونيته في
القتل. ولهذا قد تصبح العبارة الدالة على فكرة النية والعزم من زيادة الراوي وليس
من أقوال الشاهد؛ الأمر الذي يضع مصادر الخبر موضع استفهام، بدليل ما يظهره منطق
السرد حينما تشتغل تقنية "الرؤية مع".[49]
استنتاج.
وهكذا،
يتضح أن الراوي بوصفه موضوعا مما تشتغل عليه الدراسات السردية، وباعتباره مظهرا من
مظاهر الفعل اللغوي يتعالق بقضية بناء الخطاب القصصي وهندسته. فمن خلال وظائفه المتعددة
تُعرف قوة الخطاب وتماسك أركانه، أو تدرك ضعفه وتراخي عناصره.
ومن
هنا نستنتج من قص حدثي قصة موسى: الولادة والقتل في القرآن الكريم والتوراة
ما يلي:
1. راوي
قصة موسى في القرآن الكريم هو الله سبحانه وتعالى بوظائف تفهم من تواصله مع
الرسول في لحظة الوحي ومع جميع الناس في لحظة قراءة القرآن الكريم وسماعه. أما
الراوي في التوراة فتغلب عليه وظيفة التأريخ، ولهذا فتواصله مع المتلقي
قائم على أغراض متباينة.
2. تدخل الله
سبحانه وتعالى باعتباره راويا للخطاب القصصي في القرآن كان مباشرا في أحداث
الطفولة، وكان غير مباشر في حدث القتل؛ ولهذا تكتسب القصة في القرآن صفة السرد
المقدس. أما سرد الحدثين في التوراة فقد وردا مجردين من كل أثر قدسي. ولهذا كان
الراوي في التوراة غير الله سبحانه وتعالى.
3. نقل الراوي
مناجاة موسى مع نفسه وحواره مع غيره بلغة تنسجم مع التوجه العام للخطاب القرآني
المقدس، أما لغة التوراة فخصائصها لا تختلف عن لغة العامة. ولهذا فلغة الراوي هي
لغة بشرية.
4.
مصادر الراوي في القرآن الكريم
قوية بدليل تماسك عناصر الخطاب القصصي، أما مصادر الراوي في التوراة ففيها خلل
لقلق يشوب بناء الخطاب القصصي.
ولما
كانت صورة الراوي في التوراة حسب ما توصلنا إليه من نتائج، فإن ما يدفعنا إلى
القول بقدسية التوراة في موضوع قصة موسى هو ورودُ حدثي الولادة والقتل بالبناء
نفسه في القرآن الكريم، وهذا ما يدعو إلى البحث عن سر التوافق بين الكتابين
المقدسين من زاوية الراوي.
د. عبد الحي العباس
كلية اللغة العربية
- T. Todorov, les catégories du récit littéraire, in : L’analyse structurale du récit, Communications 8, Paris, 1966, coll : Points, № : 129.
- G. Genette, figures III, seuil, paris, 172.
·
ج. جنيت وآخرون، نظرية
السرد " من وجهة النظر، إلى التبئير"، ترجمة: ناجي مصطفى، منشورات
الحوار الأكاديمي والجامعي، البيضاء، 1989.
[3] إن التسلسل
في قراءة قصة من القصص الشعبي يجعل من اللغة هي الراوي لأنها منتظمة في كل
مستوياتها بدليل أن التواصل يتحقق بها، لكن التسلسل في القراءة يسقط التواصل ويستحيل
حينما نأخذ كل جمل قصة ما وعباراتها وهي قد كتبت بطريقة فوضوية ينعدم فيها أبسط مقومات
الترابط بين العناصر.
[4] )إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ( النساء: 105
[5] )إِنَّا
أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ
الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ
بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ( آل عمران: 44
[6] )كُلٌّ آَمَنَ
بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ
مِنْ رُسُلِهِ( البقرة: 285.
[7]
زياد خليل الدغامين، "محددات علاقة القرآن الكريم بالكتب الإلهية
السابقة ومقاصدها وأبعادها المنهجية" في مجلة الشريعة والقانون، ع: 34،
ابريل 2008، ص: 242.
[8] )نَزَّلَ
عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ
التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ( آل عمران:3
[9] للقصة في النظرية السردية وجهان شبيهان بالدال والمدلول في اللسانيات، فالمقصود
بالحدث هو ما يتصور من وقائع وهو منعزلة عن الخطاب على أساس أن القصة هي المدلول
والخطاب هو دالها. ينظر:
Les catégories du récit littéraire, p : 133, p :144.
[10] البرنامج
السردي سلسلة من الأحداث القائمة على مبدإ الحصول على غرض "موضوع" معين
والاتصال به، أو الانفصال عنه والتخلص منه. ينظر:
- A.Hénault, narratologie, sémiotique générale, P.U.F,1983
- Groupe d’Entrevernes, analyse sémiotique des textes, P.U.L, 198.
[11]
figures III, p : 79.
[12]
نريد بـ"المعرفة التامة" الدقة في
وصف الحدث، وبـ"المعرفة الحقيقية " الحدث من حيث قيمته
التاريخية.
[13] يدعونا مبدأ
إعجاز القرآن الكريم من الناحية اللغوية إلى أن المقصود من التصوير الحي نقل
الأحداث من الواقع إلى اللغة كما وقعت بالضبط، وكما ستقع في ما يستقبل من الزمان
في حياتنا الدنيوية أو الأخروية .
[14]
لا يمكن للراوي أن يروي قصة إلا إذا قام يتخيلها بنفسه أولا، ثم يعمل على
أن يتخيلها المتلقي بواسطة تأثره بتقنيات السرد وآلياته. ولهذا نقول إن الله
سبحانه وتعالى لا يتخيل، بل يقضي ويقدر، ومن ثم كان قصُّه حاضرا في الزمن المطلق Omniprésence .
[17]
ذهبت زاهية راغب الدجاني إلى أن الرسالات السماوية نزلت لمحاربة الظلم
ولإيقام العدل بين أفراد البشرية، المفهوم القرآني والتوراتي عن موسىuوفرعون، دار التقريب
بين المذاهب الإسلامية، ص: 43.
[18] في انتظار أبحاث تنتج مصطلحية خاصة بظاهرة السرد القرآني
فإننا نقترح مصطلح العناية الإلهية بدل مصطلح الشخصية، أما مصطلح الراوي
فقد ارتأينا الاحتفاظ به مؤقتا لارتباط مدلوله الاصطلاحي بوظيفة اللغة.
[19] يبدو أن نعمة الله على بني إسرائيل مشروطة بعدم
الظلم بدليل الآية الكريمة: ) وَإِذِ
ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(
البقرة: 12.
[20]
في وصف حدث القتل لا نجد من عبارات لغوية تظهر تدخل الله سبحانه وتعالى
بعنايته، بل يصف ما جرى بطريقة موضوعية ومحايدة.
) ذَلِكَ
بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ(
آل عمران: 182
)
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ
لِّلْعَبِيدِ (
ق:
29
[23] إذا افترضنا أن
موسى كان يعرف الله نتيجة تداول عقيدة دينية تركتها شرائع يوسف عليه السلام، فإن
هذا الافتراض لا يرقى إلى أن تكون معرفة موسى بربه بالشكل الذي عرفه به في لحظة
التكليم.
[25]
محمد علي البار، الله جل جلاله والأنبياء عليهم السلام في التوراة
والعهد القديم (دراسة مقارنة)، دار القلم بدمشق، والدار الشامية ببيروت، ط1،
1990، ص: 190. وينظر: عبد الله عمر رشيد بارشيد، موسى وهارون عليهما السلام في
الأسفار الخمسة "عرض ونقد في ضوء القرآن الكريم" رسالة ماجستير في
العقيدة، الرقم الجامعي: 42588127، ص: 51.
[27]
إبراهيم أحمد الديبو، ابن حزم الأندلسي رائد الدراسات النقدية للتوراة،
مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية–
المجلد: 23 العدد الثاني - 2007،
ص: 463
[28] إبراهيم ناصر، التوراة
بين الحقيقة والأسطورة والخيال، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت،
2009، ص: 7.
[29] سيد محمود القمني،
مدخل إلى فهم دور المثولوجيا التوراتية، شبكة اللادينين العرب، بدون تاريخ، ص: 4
[34]
لعلها إحدى النعم
ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم: ) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ
بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (
البقرة: 40.
[37] جرار جنيت، خطاب الحكاية "بحث في المنهج"،
ترجمه: محمد معتصم وآخرون، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، 1996، ص: 108.
[39]
(وَلكِنَّ الْقَابِلَتَيْنِ خَافَتَا اللهَ وَلَمْ تَفْعَلاَ كَمَا
كَلَّمَهُمَا مَلِكُ مِصْرَ، بَلِ اسْتَحْيَتَا الأَوْلاَدَ.) الخروج:1/ 17. (وَكَانَ إِذْ خَافَتِ الْقَابِلَتَانِ اللهَ أَنَّهُ صَنَعَ لَهُمَا بُيُوتًا) الخروج:1/21.
[40] )وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى
قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ
إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ( القصص:20،
)وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا
لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ
بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ( التحريم:11
) وَجَاءَ
مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا
الْمُرْسَلِينَ ( يس:20
[44] حينما فتحت بنت
فرعون السفط من النهر ووجدت فيه طفلا يبكي عرفته أنه من أولاد اليهود، والظاهر أن
معرفتها كانت بفعل إلقاء الأطفال في النهر تطبيقا لأوامر فرعون. الإصحاح2/6.
[45] تدعو هذه الأسئلة
وغيرها أجوبة ملائمة من منطلق أن التوراة كتاب مقدس، ولهذا فما يروى فيه من قصة
موسى وغيرها بالضرورة ينبغي أن يكون بعيدا عما يتطلبه الإبداع من آليات
التخييل.
[49]
تقوم وظيفة "الرؤية مع" على مبدإ تلقي الراوي الخبر بحسب ما
عاشته الشخصية باعتبارها شاهدا في الحدث، ولهذا يستحيل على الراوي أن يروي ما غابت
عنه الشخصية من أحداث، لجهله به. ومن هنا فالرؤية مع لا تتجاوز حدود المعاينة
والمشاهدة إلى معرفة ما يدور في دواخل الشخصيات وبواطنها، لنها من وظائف تقنية
الرؤية من الخلف.
عفوا سيدي،
ردحذفهناك خطأ مطبعي في قوله: "في الفقرتين الأوليتين من الإصحاح"، وينبغي كتابة "الأوليين"